صداقات الطفولة
تعتبر علاقات الصداقة في حياة الطفل ثاني أهم العوامل التي تسهم في بناء شخصيته بعد علاقته بوالديه و أخوته.
في السنوات الأولى من مرحلة الطفولة يقضي الطفل وقته مع أصدقائه في اللعب التخيلي.
في سنوات الطفولة المتوسطة ينصب تركيز الطفل في صداقاته على المعايير المشتركة بينه و بين من يختارهم أصدقاء. يتم في هذه السنوات الفصل بين الاختيارات، فيميل الذكور إلى اللعب مع الذكور و تميل الإناث إلى اللعب مع الإناث.
حين تبدأ مرحلة المراهقة يبدأ المراهق في الاعتماد في خيارات الصداقة على التبادلات ثنائية الاتجاه التي تساعد كلا الطرفين على اكتشاف الذات و التعرف عليها.
تعكس هذه الاختلافات في موضوع الصداقة عبر تطور عمر الطفل اختلاف وظيفة الصداقة. فالصداقات المبكرة تتعلق بمشاركة الترفيه و المتعة بينما تعتبر الصداقات اللاحقة من عمر الطفل أنها الوسائل التي يمكنه من خلالها اكتشاف نفسه ، و مما لا شك فيه أن الصداقة تلعب دوراً كبيراً بالغ الأهمية في تطور الطفل الاجتماعي و العاطفي و النفسي.
علاقة (أهل/طفل)
حتى يصل الأهل إلى علاقة مثمرة فعالة مع أطفالهم لا بد من بناء أسس ثابتة للتواصل الجيد . تضمن تلك الأسس أن يتبع الأطفال قواعد التربية التي يفرضها الأهل بحب و طيب خاطر .
تعزز العلاقة القوية بين الأهل و الطفل شعور الأمان عند الطفل فيكون تنفيذه لرغبات الأهل منطلقاً من احترامه لهم و ليس من خوفه منهم.
تخبرنا الدراسات النفسية العصبية في مجال الطفولة أنه يتوجب على الأهل من أجل إزالة أثر تصرف سلبي تجاه طفلهم أن يقدموا له بالمقابل خمس تصرفات تفاعلية إيجابية.
تقوم العلاقة (أهل/طفل) على تلبية كافة احتياجات الطفل البيولوجية كالطعام و الشراب و المسكن.. ثم تأتي بعد ذلك حاجات أخرى كالحاجة إلى الأمان ، الحاجات الاجتماعية، الحاجة إلى الاحترام، الحاجة إلى الثقة، الحاجة إلى التقدير و غيرها من الحاجات النفسية.
سأقدم في الحلقات اللاحقة بعضاً من العادات التواصلية اليومية التي تلعب دوراً جوهرياً في جعل علاقة (أهل/طفل ) علاقة صحية مشبعة و محققة لاحتياجات الطفل.
الاحتضان
نتابع الحديث اليوم عن علاقة (طفل/أهل) و العادات التواصلية التي تعزز نمو و ازدهار هذه العلاقة.
أول هذه العادات هو الاحتضان.
يؤكد علم النفس أن احتضان الأهل للطفل يشكل حاجة ضرورية لنمو الطفل و تطور قدراته العقلية و استقراره النفسي.
من الضروري أن يحافظ الأهل على جعل احتضان الطفل عادة يحرصون على ممارستها بشكل يومي و متكرر خلال اليوم الواحد بشكل غير مشروط.
ما هي فوائد احتضان الأهل للطفل؟.
- يعزز ثقة الطفل بنفسه.
- يزيد شعور الطفل بالأمان.
- يساهم بشكل إيجابي في نمو الدماغ و تطوره.
- يزيد من إفراز هرمون الأوكسيتوسين الذي يقوي جهاز المناعة لدى الطفل.
- مفيد لصحة الطفل العاطفية، حيث يعتبر الاحتضان مهدئاً له مفعول سحري في تخفيف نوبات الغضب عند الطفل.
- يعمل على تحسين المزاج عند الطفل و يؤدي إلى بناء طفل سعيد و متفائل.
بعد أن تعرفنا على فوائد احتضان الأهل للطفل، من الضروري أن ندرك خصوصية جسد الطفل، ثم نخبر الطفل بهذا الحق و بأن جسده ملك له وحده و له الحق علينا في احترامه. فلا نجبره على الاحتضان إن لم يكن يرغب في ذلك في بعض الأوقات.
وقت الحب
نواصل الحديث عن العادات التواصلية الصحية في علاقة (أهل/ طفل).
وقت الحب.. هو العادة التواصلية التي تتحدث عنها حلقة اليوم.
في زحمة الحياة و كثرة الانشغالات ، أسهل ما يمكن أن نقوله (ليس لدي وقت ، لا أعرف كيف يمضي الوقت ، لدي الكثير من الأعمال لإنجازها….. ).
في وسط كل هذا ، علينا أن نخصص وقتاً يومياً نمضيه مع الطفل دون هاتف يشغلنا أو عمل نقوم به أو أحد نتحدث إليه.
وقت قصير ثابت و مستمر بشكل يومي دون انقطاع .. وقت نوعي مع الطفل.. وقت الحب.
ما هي شروط وقت الحب؟.
- أن تكون الأم أو الأب متواجدين مع الطفل في هذا الوقت تواجداً حقيقياً كاملاً بأجسادهم و أفكارهم و مشاعرهم و سلوكهم.
- أن يكون ثابتاً و مستمراً بشكل يومي.
- أن يكون خالياً من توجيه الملاحظات و إعطاء التعليمات للطفل.
- أن يتجرد الأهل من دور السلطة، و يمارسوا دور الصديق.
- أن يقوم على الحب و عبارات الحب و لمسات الحب و كل ما يعزز شعور الطفل بأنه محبوب.
- أن يتم إعطاء كل طفل دوره الخاص.. في حال تواجد أكثر من طفل فمن شروط نجاح هذه التقنية
- أن يتم تطبيقها مع كل طفل بوقته الخاص.
ما هي فوائد وقت الحب؟
- يعزز العلاقة التواصلية بين الأهل و الطفل.
- يبني علاقة صداقة و ثقة مع الطفل.
- يساعد الأهل على فهم شخصية طفلهم و طرق تفكيره و طباعه.
- رفع تقدير الذات عند الطفل.
- تعزيز الثقة بالنفس عند الطفل.
- إشباع حاجة الطفل للاهتمام و الانتباه فتتوقف السلوكيات الخاطئة التي يمارسها الطفل بهدف لفت الانتباه.
- يبني في ذاكرة الطفل ذكريات جميلة دافئة ترافقه مدى الحياة.
كل هذه الفوائد و غيرها الكثير من الآثار الإيجابية على الصحة النفسية للطفل و الأهل أيضاً.
دقائق معدودة من ساعات اليوم الطويلة نقضيها مع الطفل بوجود كامل و حب كامل قادرة على بناء علاقة جميلة تدوم بدوام الحياة.
بين السماع و الاستماع
و نتابع في العادات التواصلية الصحية في علاقة (أهل/طفل).
هاتفي في يدي … أنظر في شاشته.. أستمع بكل حواسي إلى ما يقولونه عبر الشاشة .. .
يأتي طفلي .. ينادي .. ماما.. ماما..
يبدأ بإخباري أمراً يهمه ، أو قد لا يهمه .. و لكنه يحدثني..
أهز برأسي أخبره أني معه.. أسمعه.. و لكن !.
لا زال الهاتف في يدي.. لا زالت عينيّ تحدقان في الشاشة بعيداً عن عينيه.. .
و لكني مصرة أن أخبره بأني أسمعه…. نعم.. تابع .. أسمعك.. .
ماذا سيقول الطفل في نفسه ؟ هل سيرغب حقاً في إكمال الحديث ؟؟ و إن أكمل الحديث .. هل سيشعر بأهمية كلماته؟؟
لنجرب رؤية الأمر من زواية أخرى.
هاتفي في يدي.. … أنظر في شاشته.. أستمع بكل حواسي إلى ما يقولونه عبر الشاشة.. يأتي طفلي يحدثني .. .
لحظة! دعني أقفل هاتفي حتى أسمعك و أستمع إليك .. ثم أنقل عينيّ من الشاشة إلى وجهه .. إلى عينيه … تكلم حبيبي .. أسمعك جيداً و أستمع إليك .. و أرى كلماتك في عينيك.. و لا شيء أهم من كلماتك و من عينيك .
سوف يتذكر الطفل لبقية حياتك أنه كان دائماً الأهم.. كلماته كانت دوماً تستحق من أهله السماع و الاستماع.. و لن ينسى.
تقبل مشاعرهم
و نتابع في العادات التواصلية الصحية في علاقة (أهل/ طفل) .
أمام الطفل خياران:
- إما شعور مزعج غامض يؤدي إلى سلوكيات مزعجة.
- أو شعور واضح مفهوم و مقبول، يؤدي إلى سلوكيات متوازنة متناسبة مع المواقف .
عاد طفلي من المدرسة بحالة غضب بسبب تصرف سيء تعرض له من صديقه في المدرسة.
المشهد الأول:
أقول له لا داعي للحزن.. لماذا أنت حزين و منزعج؟ لا تضخم الأمور اذهب و العب و سوف تنسى الأمر.
المشهد الثاني:
أنت منزعج .. أنت تشعر بالغضب.. أفهم تماماً ما تشعر به .. لو كنت مكانك لشعرت بشعور مشابه.. كيف يمكنك أن تصف غضبك ؟ ما الذي يجعلك تشعر بتحسن؟
في هذا المشهد تقبلت مشاعر الطفل و تفهمتها و أخبرته أنه ليس وحده من يمكن أن يشعر بهذه المشاعر.. ساعدته على التعرف على مشاعره.. ثم ناقشت معه خيارات التحسن.
أما في المشهد الأول فقد قمت بإنكار مشاعره و عدم تقبلها و عدم مساعدته على أن يتقبلها.. و لم أقدم له حلاً و لم أساعده حتى في التفكير بحل.
لبناء علاقة تواصلية مع الطفل من الضروري أن نتقبل مشاعره مهما كانت سلبية و نساعده على فهمها و تسميتها و تقبلها. هذا هو أحد المفاتيح التي تساعدنا على تجاوز السلوكيات المزعجة التي تصدر من الطفل دون أن نعرف و دون أن يعرف هو نفسه مصدرها و هدفها.
حين نتقبل مشاعر الطفل نطور ذكاءه العاطفي و نساعده على فهم نفسه.
الوقت الذهبي
و نأتي إلى ختام العادات التواصلية الصحية في علاقة(طفل/ أهل).
قبل النوم بقليل .. هو الوقت الذهبي الذي يجب على الأهل استغلاله مع الطفل لتعزيز علاقة التواصل.
من الجيد و الصحي أن يحافظ الأهل مع الطفل على روتين ثابت في ما يتعلق بوقت النوم حتى تكون اللحظات الأخيرة من يوم الطفل هي لحظات حب و دعم و تواصل و أمان.
هناك العديد من الأفكار التي يمكن أن يطبقها الأهل مع الطفل في قضاء هذا الوقت.
في السرير نقرأ قصة أو نحكي حديثاً جميلاً أو نخبره كم نحبه.. نتحدث عن أجمل اللحظات التي مرت علينا سوية خلال اليوم .. و العديد من الأفكار التي تجعل الطفل ينهي يومه بحب.
علمياً، أثبتت نتائج الدراسات أن التواصل و الحب في وقت النوم له الكثير من الفوائد على الصحة النفسية للطفل، و من هذه الفوائد:
- يجعل الطفل أقل عرضة للتوتر.
- يؤثر بشكل إيجابي على نمو الدماغ و ردود الفعل اللاحقة للضغط.
- يعزز التعلق الآمن بين الطفل و والديه.
- يطور قدرة الطفل على تنظيم المشاعر.
- يشبع الكثير من حاجات الطفل النفسية كالحاجة إلى الأمان و الحاجة إلى الاهتمام.
دقائق قليلة نقضيها قرب الطفل قبل النوم .. هي من أجمل ما نقدمه له في المستقبل.. حين يصبح هذا الحاضر من الماضي .