مرآة أفكاري
أن يتعلم الطفل مهارة التعاطف مع النفس منذ الصغر هو أمر مهم للحصول على أساس قوي للمستقبل أساس يساعده على التعامل السليم مع نفسه و مع الآخرين و معالجة أفكاره و مشاعره بتقبل و دون إصدار أحكام
هناك عدة خطوات عملية تساعد الوالدين على تنمية هذه المهارة عند أطفالهم
هذه الحلقة تتحدث عن أولى هذه الخطوات
القدوة الجيدة إن سلوك الطفل هو مرآة لأفكار والديه و هنا يأتي دور الأهل بأن يكونوا قدوة جيدة لأطفالهم في ما يتعلق بمهارة التعاطف مع النفس
تكون القدوة الجيدة من خلال الانتباه لأفكارنا و حديثنا عن أنفسنا أمام الطفل حتى و لو كان من خلال حديث مع شخص آخر أمام الطفل و نظن أنه منشغل بألعابه و لا ينتبه لحديثنا
تابعوا معي النقاط التالية من فضلكم:
ممنوع استخدام التعليقات السلبية الذاتية من قبل الوالدين أمام الطفل مثال ( كأن تقول الأم مثلاً أمام طفلها أنا غير راضية عن وزني الزائد و بنفس الوقت أنا شخص غير قادر على الالتزام بنظام غذائي)
عند مواجهة مشكلة في الحياة من الخطأ أن نستخدم عبارات سلبية عن أنفسنا أمام الطفل مثال (أنا فاشل و لا أصلح لحل هذه المشكلة)
من الخطأ أن نستخدم أمام الطفل كلمات سلبية لوصف مشاعرنا السلبية التي تواجهنا مثال (أنا حزين و من العيب أن أشعر بالحزن لا أعرف كيف أسيطر على نفسي و أمنع نفسي من الحزن)
من الخطأ أن نركز أمام الطفل على عيوبنا الجسدية و النفسية مثال (أنا شخص اغضب بسرعة و لا أستطيع أن أسيطر على كلامي عند الغضب)
و غير ذلك الكثير من الأمثلة
خلاصة القول إن امتلكنا مهارة التعاطف مع النفس فمن الطبيعي أننا لن نرتكب هذه الأخطاء أمام الطفل لأننا بالأصل لا نعامل أنفسنا بهذه الطريقة و لكن إن لم نكن قد تدربنا عليها و نجحنا بها فيتوجب علينا على الأقل أن نراقب أنفسنا و أفكارنا و كلامنا و سلوكنا في وجود الطفل
و علينا أن نتذكر دائماً أن سلوك أطفالنا هو انعكاس و مرآة لأفكارنا.
التدريب على اللطف
نتابع الخطوات التي تساعد الأهل على تعزيز فكرة التعاطف مع النفس عند أطفالهم
في الحلقة السابقة تحدثنا عن أهمية دور القدوة
في حلقة اليوم سأتحدث عن أهمية عملية تدريب الطفل على أن يكون لطيفاً مع نفسه
اللطف هو مفتاح امتلاك مهارة التعاطف
من الضروري أن يخصص الأهل وقتاً يومياً لتدريب الطفل على اكتساب هذه المهارة
مثال: كل يوم قبل النوم خمس دقائق من الحوار مع الطفل بالطريقة التالية:
كنت اليوم طفلاً جيداً أنجزت العديد من الأشياء الإيجابية الجميلة تذكر قبل أن تنام أن تشكر نفسك على كل الأشياء الجميلة التي فعلتها أعتقد أنك حين كنت تكتب وظيفة الرياضيات واجهت بعض الصعوبات تذكر أن هذا أمر طبيعي يحصل كثيراً لا زلت تملك عقلاً جيداً حتى و إن واجهت تلك الصعوبات في الحل ردد ورائي ما سأقول :
- أنا أملك عقلاً جيداً يعمل طوال الوقت
- لا بأس إن أخطأت أو واجهت صعوبة في الحل هذا أمر يحصل لكثير من الأطفال
- عقلي لا يزال جيداً و فعالاً
- سأعمل على تقوية نفسي في النقاط التي أجد فيها صعوبة و سأصبح أفضل في المستقبل
- و ينتهي الحديث هنا
قبلة قبل النوم على جبينه و أمنيات بأحلام سعيدة
منظور خارجي
أن ندرب الطفل على أن ينظر إلى أموره الخاصة و مشكلاته من منظور خارجي هذه هي الخطوة الثالثة في خطة تدريب الطفل على اكتساب مهارة التعاطف مع النفس
كيف؟
عاد طفلك من مسرحية مدرسية حزين و يشعر بالإحباط لأنه أدى دوره بشكل فاشل و لم يكن بالمستوى الجيد مثل أصدقائه
كيف أساعد طفلي على التعاطف مع نفسه باستخدام نظرية المنظور الخارجي؟
أطلب منه أن يتخيل أن هذا الموقف حصل مع صديقه (عصام) ثم أسأله : لو كان عصام في مكانك و وجدته حزيناً ماذا ستقول له لتخفف عنه حزنه؟
ثم يبدأ الطفل بتقديم العبارات الداعمة و المتعاطفة لصديقه عصام و من خلال الحوار المتبادل أقوم ببعض المداخلات كأن أذكره بأهمية احتضان صديقه و التركيز على مساعدة صديقه على تقبل حزنه و تقبل أن هذا النوع من الفشل أمر طبيعي يحصل لكل البشر ثم التركيز على كلمات دعم يمكنه أن يقدمها لعصام و وعود بالمساندة و الوقوف بجانبه ليكون أداؤه أفضل في المرات القادمة
ثم أترك طفلي يفكر لبضع دقائق بالجملة التالية:
طريقة تعاطفك مع عصام رائعة و مفيدة و ستجعله يشعر بالتحسن و القوة تذكر أنك أنت الشخص الأقرب إلى نفسك أنت صديق نفسك تماماً كما أن عصام صديقك استخدم الآن كل كلمة قلتها لعصام و وجهها لنفسك قل لنفسك بالضبط ما كنت ستقوله لعصام لو كان مكانك و كن دائماُ أقرب صديق داعم لنفسك
تقبل الأفكار و المشاعر
من إحدى خطوات تدريب الطفل على اكتساب مهارة التعاطف مع النفس هي تدريبه على تقبل أفكاره و مشاعره مهما كانت سلبية
يتم ذلك من خلال تسمية هذه الأفكار والمشاعر و تصنيفها ثم تقبلها
من الخطأ أن نزرع في رأس الطفل فكرة أنه لا مكان للحزن في حياتنا فعندما يكبر سينصدم بوجود الحزن و المشاعر السلبية التي لم يتعلم منذ الصغر على وجودها و تقبلها
كيف نساعده على ذلك بخطوات عملية؟
في المراحل العمرية الصغيرة نساعده على ذلك من خلال القراءة نقرأ معه قصة ثم نناقش المشاعر السلبية التي يعيشها أحد ابطال القصة ثم نشرح له عن هذه المشاعر و عن وجودها و اسمها و الأفكار المرتبطة بها و نتخيل معه أنه إن كان في نفس الموقف سوف يعيش نفس هذه المشاعر و عليه تحديدها بشكل واضح و الاعتراف بوجودها و تقبلها
في المراحل العمرية الأكبر كمرحلة المراهقة، سيكون الأمر صعباً بتطبيق ذلك من خلال قصة فالحل البديل هنا هو مشاهدة فيلم معاً و نطبق معه نفس الخطوات السابقة التي تحدثت عنها مع الطفل أثناء قراءة القصة
من شروط نجاح هذه التقنية عدم التسرع في الحصول على النتائج إعطاء الابن (الطفل أو المراهق) الوقت الكافي لاستيعاب أهمية تقبل الأفكار و المشاعر السلبية حتى ينجح في امتلاك هذه المهارة و يصبح قادراً على أن يمارسها في حياته