ما هي صورة الجسد؟
هو مصطلح يدل على الطريقة التي نصف بها أنفسنا .. نصف كيف نفكر تجاه أنفسنا و كيف نشعر تجاه هذا التفكير.
تنقسم صورة الجسد إلى أربعة محاور:
- صورة الجسم الإدراكية: كيف ترى جسمك
- صورة الجسم العاطفية: كيف تشعر حيال جسمك
- صورة الجسم المعرفية: كيف تفكر في جسمك
- صورة الجسم السلوكية: الطريقة التي تتصرف بها نتيجة لصورة الجسم الإدراكية والعاطفية والمعرفية
لصورة الجسد العديد من العوامل المكونة:
- طريقة نظرتنا لأنفسنا و أجسادنا.
- دقة هذه النظرة و مطابقتها للواقع الفعلي.
- درجة الرضا التي نملكها تجاه أجسادنا و مظهرنا.
- الطريقة التي نتفاعل فيها مع المحيط من خلال أجسادنا.
- درجة اهتمامنا بآراء الآخرين تجاه أجسادنا.
- درجة تأثر مشاعرنا و أفكارنا و سلوكنا بآراء الأخرين بأجسادنا.
من أحد أهم و شروط الصحة النفسية الجيدة هو امتلاك صورة جسد إيجابية.
ماذا أقصد بذلك؟
أن نمتلك صورة جسد إيجابية يعني أن نمتلك درجة جيدة من الرضا عن أجسادنا, و نتقبل بل و نحترم صفاتنا الجسدية مهما كانت. بالمقابل, من الضروري الحفاظ على درجة من التوازن بين قبول أجسادنا و قبول النواحي الأخرى في أنفسنا.
فمن أجل الوصول إلى صورة جسد متوازنة علينا بناء علاقة إيجابية مع أجسادنا و صفاتنا الجسمية بما لا يصل إلى مرحلة الغرور بالجسد و الانغماس بالمظهر الخارجي على حساب الجوانب الأخرى.
صورة الجسد و الصحة النفسية
أن يمتلك الشخص صورة جسد سلبية فهو ليس مشكلة بحد ذاتها, و لكنها قد تكون عاملاً لظهور مشاكل نفسية مثل التوتر و الاكتئاب و اضطرابات الأكل. و بالمقابل, إن تطوير صورة جسد إيجابية له العديد من الفوائد على الصحة النفسية:
- تخفيف مستوى التوتر
- زيادة مستوى الشعور بالرضا
- مزاج متوازن
- زيادة الفرصة للدخول في علاقات اجتماعية إيجابية و صحية
- تقدير مرتفع للذات
- زيادة مستوى الثقة بالنفس.
تتلخص علاقة صورة الجسد بالصحة النفسية بالمعادلة البسيطة التالية:
صورة جسد إيجابية –> تقبل للذات –> احترام للذات –> علاقة إيجابية مع الذات –> حديث ذاتي إيجابي = مستوى جيد من الصحة النفسية
سأتحدث لاحقاً في هذه السلسلة عن الخطوات العملية التي تساعد على بناء و تعزيز صورة جسد إيجابية.
العوامل المؤثرة في صورة الجسد
تختلف العوامل المؤثرة على صورة الجسد من شخص إلى آخر. و لكن نتائج الدراسات النفسية قدمت لنا بعض العوامل التي يشترك فيها معظم الأشخاص فيما يتعلق بتأثيرها على صورة الجسد:
- العلاقات الاجتماعية مع الأهل و الأصدقاء.
- الطريقة التي يتحدث الآخرون بها عن أجسامنا.
- التعرض بكثافة للصور المعدلة الفاخرة لمشاهير وسائل الإعلام بكافة أنواعه.
- الشعور بالمنافسة مع صور المشاهير و السعي للتقليد.
- بناء هدف مثالي لصورة الجسد لا يتناسب مع معايير الشخص و بيئته و قدراته الخاصة.
من المهم للصحة النفسية للفرد أن يمتلك المناعة النفسية التي تحميه من أن يطور صورة جسد سلبية . يتم بناء هذه المناعة من خلال:
- بناء علاقة إيجابية مع الذات قائمة على التقبل و التعاطف و الدعم الذاتي.
- عملية بناء الأهداف الجسمية يجب أن تتم بصورة متوازنة بما يتناسب مع قدرات الشخص و ظروفه و صورة جسده الحالية و بيئته الاجتماعية و معايير الأخلاق و الدين في محيطه.
- تعديل الأفكار السلبية المتعلقة بالمقارنة مع صور مثالية خالية من العيوب. و يتم ذلك من خلال استبدال هذه الأفكار بأفكار أخرى قائمة على المنطق و على أننا كلنا نملك عيوباً. كلنا بشر.. و لا وجود للمثالية بين البشر.
اضطرابات الأكل و صورة الجسد
أظهرت نتائج الأبحاث النفسية أن لصور الأجسام الجميلة و الرياضية أثر كبير و سلبي على صورة الجسد لدى البالغين و المراهقين. و خاصة تلك الصفحات التي تعنى بأخبار الريجيم و التغذية الداعمة لتخفيف الوزن. و أوجدت الدراسات أن أكثر المصادر الإعلامية أثراً على بناء صورة جسد سلبية هي تلك التي تركز على ضرر مواد غذائية بعينها على زيادرة الوزن.. فيمتنع الشخص على سبيل المثال عن تناول الكربوهيدرات بهدف تحويل طاقة الحرق في جسمه من آلة تحرق السكر إلى آلة تحرق الدهون.
اتباع هذا النوع من النصائح بشكل غير مدروس و المبالغة في ممارسة هذه السلوكيات تترك أثراً كبيراً على العلاقة النفسية مع الجسد و على صورة الجسد بالتحديد. إضافة إلى زيادة احتمالية الإصابة باضطرابات نفسية مرتبطة بالأكل مثل اضطراب فقدان الشهية العصبي أو مرض الأورثوريكسيا العصبي (و هو حالة طبية تدفع الشخص إلى الامتناع بشكل كامل و مطلق و قطعي عن نوع محدد من الطعام نتيجة معتقد فكري يتمحور حول أن هذا النوع من الطعام مضر).
السوشيال ميديا بين رابط قوي و رابط وهمي
نتعرض يومياً بشكل هائل و غير مضبوط إلى العديد من الصور لمشاهير و رياضيين على صفحات التواصل الاجتماعي. تمر عيوننا عليها و لكن دون وعي يتأثر دماغنا بما نشاهد.
كثرة التعرض للمؤثرين على صفحات التواصل الاجتماعي و بشكل يومي تخلق لدى الجمهور حالة من الارتباط القوي و لكنه ارتباط وهمي. حيث يعتقد المشاهد بشكل لا واعي أنه على علاقة وثيقة بمن يتابعه و يبدأ بالتدريج يتأثر بما يقول و ما يفعل و يقلده بل و ربما يحزن حين تكون هذه المقارنة فاشلة على حسابه.
متابعة مشهور يتمتع بجشم مثالي رشيق, و الارتباط مع هذا المشهور بعلاقة قوية وهمية من أكبر العوامل التي تعزز بناء صورة جسد سلبية.
لماذا؟
لأن المعالجة المرئية لأجسام من تربطنا بهم علاقة قوية تتضمن أيضاً معالجة مرئية لأجسامنا. و بهذا تتم عملية التداخل بين صورة الجسد التي نحملها برأسنا تجاه من نشاهد و صورة الجسد التي نحملها تجاه أجسادنا.
و هنا تبدأ المشكلة .. حين نبدأ بمقارنة أجسامنا مع صور نراها على الشاشة.
صورة الجسد الإيجابية
صورة الجسد الإيجابية هي ليست الاعتقاد بامتلاك جسم مثالي. بل هي بناء علاقة إيجابية مع أجسادنا قائمة على العوامل التالية:
- قبول الجسد
- تقدير الجسد
- احترام الجسد
الاعتراف بحالات عدم الأمان التي نمر بها و محاولة تصحيحها إن كان بالإمكان.
ماهي العوامل التي تؤهلنا للحصول على صورة جسد إيجابية؟
تقدير الذات المرتفع: و هو تقدير أنفسنا بما نملك و الاعتقاد بأن الأصدقاء من حولنا يحملون لنا نفس التقدير بما نملك و يستمتعون بصحبتنا.
الإيجابية الفكرية: و هو عامل قائم على تقبل نقاط ضعفنا و قوتنا دون السعي إلى المثالية و الكمال و دون المقارنة الهدامة مع الآخرين و دون توجيه النقد و الأحكام السلبية لأنفسنا.
التوازن العاطفي: القائم على الموازنة بين ما نفكر به و ما نشعر به و ما نقوم به من سلوكيات.
إليكم بعض الخطوات العملية لبناء صورة جسد إيجابية:
- تعديل العلاقة مع الطعام من علاقة عاطفية إلى علاقة منطقية (نأكل بهدف العيش بدلاً من نأكل بهدف الهدوء من توتر مثلاً).
- الابتعاد عن مصادر الضغط و التوتر في ما يتعلق بصورة الجسد (صفحات التواصل الاجتماعي التي تضخ صور أجساد مثالية بكثرة)
- بناء علاقة إيجابية مع الذات قائمة على الحب و التعاطف و التقبل.
- الابتعاد عن المقارنة مع الآخرين.
- الانتباه إلى اللغة و الكلمات التي نصف بها أجسامنا.
صورة الجسد و الوزن الزائد
وزني زائد.. لا أستطيع إكمال أي نظام غذائي.. لا أحب جسمي.. لن ينفع معي أي نظام إنزال وزن.. و يستمر الأكل غير الصحي و تستمر زيادة الوزن و تستمر صورة الجسد السلبية.
في معظم الحالات يرتبط الوزن الزائد بصورة جسد سلبية.. و لكن ربما يبدو غريباً إن أخبرتكم أن تحسين صورة الجسد و بناء صورة جسد إيجابية يعتبر أول عامل من عوامل نزول الوزن.
كيف؟
حين يتمتع الشخص بصورة جسدية إيجابية سوف تنكسر تلك الحلقة المفرغة القائمة على العلاقة الخاطئة مع الجسد و بالتالي سوف يصبح من السهل الالتزام بنظام غذائي يساعد في نزول الوزن.
أثبتت الدراسات النفسية في هذا المجال أن الأشخاص الذين يتمتعون بصورة جسد إيجابية قادرون على خسارة الوزن أكثر بمرتين ممن يمتلكون صورة جسد سلبية.
ما تفسير هذه العلاقة؟ الأمر بسيط.. صورة الجسد السلبية تقود الشخص إلى أفكار سلبية حول محاولات خسارة الوزن فيستسلم بسهولة عند الأسابيع الأولى من المحاولة.. بينما أن الأشخاص ذوي صورة الجسد الإيجابية قادرون على الالتزام بأنظمة خسارة الوزن لأنهم يعتقدون أن أجسادهم تستحق أن تكون بحالة صحية أفضل.
و لذلك من أجل النجاح في محاولات إنزال الوزن يجب علينا في البداية العمل على بناء علاقة إيجابية مع الجسد مهما كان وزنه.