تحليل الغضب
هل ترغبون بإدارة الغضب؟.
لنكون قادرين على إدارة شيء ما، علينا في البداية أن نفهمه و نتعرف عليه عن قرب.
الغضب هو أحد المشاعر الإنسانية الأساسية .. يحدث عند مواجهة مواقف و أشياء غير متوقعة لا نحبها.
لماذا يوصف الغضب بأنه عاطفة؟.
لأنه لا يحدث في حالة العزلة عن الآخرين.. بل يحصل في مواقف اجتماعية تسبب مشاعر ألم و انزعاج.
و لكن الشعور بالألم وحده لا يكفي لتوليد الغضب.. بل يجب أن يترافق الشعور ببعض الأفكار التي تسيطر علينا و تثير الغضب.
يقسم علم النفس الغضب إلى ثلاثة أنواع:.
النوع الأول هو آلية دفاع عند الشعور بالتهديد.
النوع الثاني هو رد فعل معين على تفسير لأحداث نعتقد أننا نتعرض فيها للأذى المتعمد.
النوع الثالث هو الغضب العصبي الذي يرتبط بشكل وثيق بالشخصية أكثر من ارتباطه بالمشاعر و الأفكار.
متى يصبح الغضب مشكلة ينبغي علاجها؟.
عندما يكثر تواتر حدوث نوبات الغضب و تؤثر على العلاقات الاجتماعية، الأداء الوظيفي، الوضع القانوني أو الصحة النفسية و الجسدية.
المشاعر البديلة
في بعض الأحيان يغضب الشخص هرباً من الشعور بالألم فيستبدل مشاعر الألم بمشاعر غضب.
يتم هذا التحويل من الألم إلى الغضب بشكل واعي و في أكثر الحالات بشكل لا واعي.
لماذا يلجأ الشخص إلى التحويل؟.
لاعتقاده بأن الغضب يلهيه عن الشعور و التفكير بالألم.
تحمي هذه الممارسة الخاطئة صاحبها بشكل مؤقت من التعرف على مشاعره الحقيقية المصاحبة للألم فلا يضطر إلى الاعتراف بها و قبولها و التعامل معها بشكل صحيح.
يجعل هذا التحويل الشخص يشعر بالقوة و السلطة و التفوق لأنه غاضب بدلاً من الشعور بالضعف و الهزيمة لأنه يتألم.
إذاً… علينا أن ننتبه حين نواجه ألماً أو حزناً و لا نقع في فخ تحويل مشاعر الحزن إلى مشاعر غضب .. بل نتقبل مشاعر الحزن و نعترف بها .
الدماغ الغاضب
ماذا يحدث في الدماغ أثناء الغضب ؟.
عند مواجهة مثيرات الغضب كالإحباط، الرفض، خيبات الأمل و غيرها، تقوم مثل هذه المواقف بتنبيه منطقة (الأميغدولا) في الدماغ و هي المنطقة المسؤولة عن معالجة المشاعر.
ثم تقوم منطقة الأميغدولا بتنبيه منطقة الهيبوثلاموس.
يرسل الهيبوثلاموس إشارات إلى الغدة النخامية و الغدد الكظرية لإفراز الهرمونات المرتبطة بالشعور بالتوتر (الأدرينالين، النور الأدرينالين، الكورتيزول).
عندما يتم إفراز الكورتيزول بكميات كبيرة يؤدي ذلك إلى زيادة نسبة الكالسيوم في الخلايا العصبية الموجودة في قشرة الفص الجبهي.. تؤدي زيادة الكالسيوم في هذه الخلايا إلى تدميرها و موتها. .. و يؤدي هذا التدمير إلى انخفاض قدرة الشخص على إطلاق الأحكام الصحيحة و اتخاذ القرارات و حل المشكلات بشكل سليم.
كما أن زيادة مستوى هرمون الكورتيزول يؤدي إلى انخفاض نسبة هرمون السيروتونين(هرمون السعادة) و بالتالي انخفاض الشعور بالسعادة و زيادة السلوك العدواني.
هذا ما يفعله الغضب في دماغنا. فهو ليس مجرد عاطفة و سلوك بل إنه منظومة عصبية متكاملة.
الجسم الغاضب
سُئل رسول الله عليه أفضل الصلاة و السلام: (يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فأنسى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تغضب)
و لأن الغضب ليس مجرد كلمة.. بل هو مثير ثم فكرة ثم سلوك ثم جسد مُتعَب.. أقدم لكم اليوم هذه الحلقة. .
تحدثت في الحلقة السابقة عن أثر الغضب في زيادة معدلات إفراز هرمون الكورتيزول.
كيف يؤثر هذا الهرمون على أجسامنا؟.
لهذا الهرمون تأثير على نظام القلب و الأوعية الدموية من خلال:
- معدل ضربات القلب.
- ضغط الدم.
- التوتر الشرياني.
- مستوى السكر في الدم.
- مستوى الأحماض الدهنية في الدم.
و عندما تصبح هذه الأعراض مزمنة ترتفع نسبة الإصابة بالجلطات الدماغية و القلبية.
كما أن ارتفاع مستويات الكورتيزول يؤثر على جهاز المناعة من خلال:
- وظيفة الغدة الدرقية.
- عدد الخلايا القاتلة الطبيعية.
- عدد الخلايا المصابة بالفيروسات .
- نسبة احتمال حدوث السرطان.
و لهذا الهرمون تأثير أيضاً على الجهاز الهضمي و عملية التمثيل الغذائي(الاستقلاب) و حرق الدهون.
خلاصة القول .. إن لم نتمكن من معالجة مشاعر الغضب المتكررة بالشكل الصحيح فإننا سوف نقع في دوامة من المشاكل النفسية و الاجتماعية و التربوية و السلوكية و المعرفية و الجسدية أيضاً.
التمارين السلوكية
إدارة الغضب لا تعني كبت الغضب و إنكار مشاعره.
تقسم وسائل إدارة الغضب إلى قسمين: تمارين سلوكية و تمارين فكرية.
سأتحدث بدايةً عن التمارين السلوكية.
ماذا تعني؟ هي ممارسات سلوكية نقوم بها للتخفيف من حدة شعور الغضب و إدارته بشكل سليم.
ما هي؟.
أولاً التنفس العميق: و هو من التمارين المهمة و الفعالة في إدارة الغضب. يتم تطبيقه من خلال المراحل التالية:
- إفراغ الرئتين من الهواء (زفير قصير)
- شهيق عميق من الأنف لمدة أربع ثواني.
- حبس النفس لمدة سبع ثواني.
- زفير بطيء مع العد عند إخراج الهواء لمدة ثمانية ثواني.
- إعادة التجربة أربع مرات.
يساعد هذا التمرين على الشعور بالاسترخاء و كأننا نرسل رسائل إلى الدماغ بأن يهدأ و يقلل من إفراز هرمون الكورتيزول.
ثانياً العد للعشرين: تتم ممارسة هذا التمرين بعد الانتهاء من تمرين التنفس العميق. يهدف هذا التمرين إلى الحفاظ على حالة الاسترخاء التي حصلنا عليها من التمرين السابق و نقل حالة الوعي لدينا إلى موقف الاسترخاء و الهدوء.
ثالثاً التسجيل: و هو التمرين السلوكي الأخير الذي يأتي بعد التنفس و العد.. ففي حال مواجهتنا لموقف شديد أثار غضبنا لدرجة كبيرة نلجأ إلى هذه الممارسة السلوكية .. يقوم هذا التمرين على تسجيل أفكارنا و شعورنا و الموقف المسبب للغضب على ورقة .. تهدف هذه التقنية إلى تفريغ مشاعر الغضب بدلاً من كبتها، و لكن يكون هذا التفريغ مدروساً و موجهاً إلى الورق بدلاً من توجهيه إلى الآخرين أو إلى أنفسنا.
خلاصة القول، تنفس عميق لنقل الجسم إلى حالة الاسترخاء، ثم العد للحفاظ على حالة الاسترخاء و الوعي بها.. و أخيراً تفريغ مشاعر الغضب بطريقة سليمة.
و عند الانتهاء من كل هذه التقنيات السلوكية يكون الوقت مناسباً لنقاش الموقف مع من تسبب لنا بالغضب بطريقة هادئة و صحية.
التمارين الفكرية
لنكون قادرين على إدارة الغضب علينا أن ندرب أنفسنا على ممارسة نوعين من التمارين ؛ سلوكية و فكرية . تحدثت بدايةً عن التمارين السلوكية لإدارة الغضب… و الآن سأتحدث عن التمارين الفكرية.
ماذا أقصد بها؟.
هي الممارسات الفكرية التي نقوم بها لإدارة الغضب و هي:.
أولاً التقبل: و تقوم هذه التقنية على تدريب أنفسنا على تقبل المشاعر السلبية الناجمة عن الغضب و عدم كبتها.. نتقبلها و نسمح لها بالظهور إلى السطح و التعبير عنها و لكن بعد الوصول إلى حالة الهدوء التي تمنحنا إياها التمارين السلوكية.
ثانياً التفكير مرتين : عند النقاش و الوصول إلى نقطة نشعر فيها بالغضب من الأفضل أن نفكر مرتين بما سنقول .. بمعنى أن نترك فاصلاً زمنياً بين الفكرة المسببة للغضب و ردة الفعل اللفظية التي سنعبر فيها عن الغضب. ترك هذا الفاصل الزمني يجعلنا قادرين على السيطرة على الأفكار السلبية و عدم السماح لها بالسيطرة على كلامنا في حالة الغضب.
ثالثاً: إعادة بناء الأفكار: و هي المرحلة العلاجية في حالات الغضب الشديد الخارج عن السيطرة .. و هنا لا يمكن للشخص أن يعمل على إعادة بناء أفكاره لوحده، فأنصح بمراجعة مختص نفسي ليعمل على المساعدة في إعادة بناء الأفكار.
1 تعليق
يعطيك العافية على مجهودك الطيب